-A +A
حمود أبو طالب
المال العام كائن مسكين رغم أننا نعيش عليه مثل الأكسجين لخلايا الجسد، هو عصب الحياة وروحها لكنه تكاد «تطلع روحه» من كثرة وشدة ما يتعرض له من اعتداءات جائرة، إنه الهدف الذي تتجه إليه أبصار الجميع، فالمواطن الصالح يرى أن المال العام لدينا كافٍ لتوفير كل جوانب الحياة الكريمة وأنه لا بد من الحفاظ عليه وحمايته من العبث وإيقاع العقاب الشديد بحق من يعتدي عليه بأي شكل، بينما هناك آخرون يرون عكس ذلك؛ إذ يمثل المال العام بالنسبة لهم فرصة العمر لتأمين حياة أجيال متعاقبة من سلالاتهم بتوظيف مبادئ وقيم رديئة في استخدامه. هذا جانب، والجانب الآخر هو الهدر والعبث الذي يحدث بسبب سوء الإدارة حتى وإن كانت النوايا نزيهة فالنتيجة النهائية هي نزيف المال بغض النظر عن الأسباب والحيثيات وأنواع القنوات غير الصحيحة التي يتسرب منها.

يقول رئيس ديوان المراقبة في كلمته التي ألقاها أمام خادم الحرمين الشريفين خلال تقديم التقرير السنوي إن جملة المبالغ التي تم تحصيلها وتوريدها أو توفيرها للخزينة العامة خلال السنة المالية قاربت التسعة مليارات ريال بزيادة تفوق أربعة أضعاف ما تم تحقيقه في العام المالي السابق، فيما بلغت جملة المبالغ التي طالب الديوان بتحصيلها نحو 38 مليار ريال بزيادة تقارب ضعفي ما تمت المطالبة بتحصيله في العام السابق، وقد أتت هذه الزيادة كنتيجة لارتفاع جودة الأداء المهني للديوان وتطوير آليات عمله.


هنا نحن نتحدث عن مليارات وليست ملايين، كانت معرضة للضياع من المال العام، ويحدث هذا بعد أن بدأنا مرحلة المراجعة والمراقبة والمحاسبة، ولنا أن نتخيل كم من المليارات ضاعت خلال عقود التنمية وخططها السابقة، وكم كان ممكنا توفيره في خزانة الدولة أو إعادته لها ليعاد صرفه بطريقة صحيحة لو كان أداء المراقبة المالية جيداً وجاداً لا يستثني جهة عن أخرى أو مسؤولاً عن مسؤول آخر. المال العام ليس ملكاً لمرحلة واحدة أو جيل واحد بل ملك الوطن لكل أجياله، ومن يعتدي عليه أو يعبث به أو يسيء استخدامه فإنه يعتدي على الوطن، ويجب أن يحاسبه الوطن والمواطن دون هوادة.